قال الأستاذ للتلاميذ:
من منكم يعرف كتاب: الجامع الصحيح المسند المختصر من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته وأيامه؟
نظر التلاميذ إلى بعضهم، لم يعرفوا الإجابة، نظروا إلى أستاذهم، هزوا رؤوسهم، عاد الأستاذ وقال: هل تعرفون من هو أمير المؤمنين في الحديث؟
عاد التلاميذ ينظرون إليه في دهشة، قال لهم: أما الكتاب فهو ما اصطلح على تسميته باسم صحيح البخاري، أما أمير المؤمنين في الحديث فهو الإمام الكبير البخاري.
تصايح التلاميذ في سعادة، طلب منهم أستاذهم التزام الهدوء، وقال:
سأقص عليكم اليوم قصة الإمام البخاري، هذا الإمام الكبير الذي كان يحفظ مئة ألف حديث صحيح، وكان على قدر من قوة الذاكرة يدهش لها الإنسان، وكان قادراً على الرحلة والسفر الشاق من أجل العلم.
هو أبو عبد الله، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزيه الجعفي، ولد في بخارى في شهر شوال 194هجرية، بدأ يقرأ الحديث وله عشر سنين، وظل يتعلم ويقرأ ويحفظ، ثم عندما كبر، خرج مع أخيه وأمه إلى مكة المكرمة، وحج لبيت الله الحرام، وأقام بمكة لطلب الحديث.
عاد الأستاذ وسأل التلاميذ: هل تعرفون السبب الذي جعل البخاري يتجه إلى جمع الحديث الصحيح؟
قال عبد الرحمن:
ـ ذات يوم أخبرني أبي، أن الإمام البخاري رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، ولا أعرف بقية الأمر.
قال الأستاذ: هذا صحيح، وبقية القصة، أن البخاري رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأنه واقف بين يديه وبيد البخاري مروحة يدافع بها عنه، فسأل بعض المعبرين فقال له: أنت تدافع عنه الكذب، فهذا الذي جعل البخاري يعمل على إخراج الصحيح.
إستأذن مصطفى وسأل أستاذه: ما معنى بعض المعبرين؟
قال: هؤلاء الذين يعبّرون الرؤيا التي يراها الناس في نومهم، ويطلق عليهم هذا اللقب، أي الذين يفسرون ويشرحون الرؤيا.
عاد الأستاذ وقال: زار البخاري مدناً كثيرة وهو يطلب الحديث، فزار نيسابور، وبغداد، والبصرة، والكوفة، ومصر، ومكة، والمدينة، ودمشق،وعسقلان، وحمص، وكان يتحمل مشاق السفر، وكان لا يأكل إلا قليلاً، وله قدرة على المشي والسفر، وكان غنياً ينفق أمواله في الرحلة في طلب العلم.
ـ أتعرفون ماذا قال البخاري عن نفسه؟ اسمعوا ما قاله: كتبت عن ألف وثمانين شخصاً، ومشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ، وأحفظ مئة ألف حديث صحيح، ولست أروى حديثاً من أحاديث الصحابة والتابعين إلا وله أصل.
قال الأستاذ: يجب أن تتعلموا كيف أن الإمام البخاري إشترط لإثبات صحة الحديث أنه لابد له أن يثبت شهادة عدلين صادقين، ولا يذكر حديثاً إلا إذا رواه صحابي مشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم، وشرط البخاري أن يروي الحديث راويان ثقتان فأكثر.
قال عمرو: ولكن لماذا هذا كله يا أستاذي؟
قال الأستاذ: كان هناك من يقول أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقلها، ولأن السنة النبوية الشريفة هي المصدر الثاني في التشريع الإسلامي، فيجب الحفاظ عليها، ولذالك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال أحد الأحاديث عن الذي يكذب عليه متعمداً، من منكم يعرف هذا الحديث؟.
رفع التلاميذ جميعاً أصابعهم راغبين في الإجابة، إختار الأستاذ أحد التلاميذ، وأمره أن يجيب، فقام حمزة وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كذب علّي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار».
عاد الأستاذ وقال: الإمام البخاري هو أول من وضع أساساً علمياً للحديث، وإليه يرجع فن معرفة صحيح الحديث، فهو رحمة الله عليه بذل هذا الجهد الكبير الضخم من أجل أن يسجل في كتابه صحيح البخاري، الأحاديث الصحيحة التي قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كان البخاري يشترط لصحة الحديث أن يرويه راويان ثقتان مشهود لهما بالثقة والصدق وعدم الكذب والأخلاق الفاضلة، لذا كان العلماء يقولون عن صحيح البخاري أنه أفضل الكتب بعد القرآن الكريم.
قسّم البخاري صحيحه إلى كتب مثل: كتاب الإيمان، كتاب العلم، كتاب الصلاة، وهكذا، وقسم كل كتاب إلى أبواب، وقد ظل الإمام البخاري ستة عشر عاماً يصنف كتابه العظيم، ويتأمل ما لديه من الأحاديث فيختار منها لكتابه ما يراه أكثر نفعاً وإفادة، لا يبتغي بجهده إلا وجه الله عز وجل.
قال التلاميذ في صوت واحد: هو والله يستحق فعلاً أن يطلق عليه لقب: أمير المؤمنين في الحديث.
عاد الأستاذ وقال: والإمام البخاري له مؤلفات أخرى غير صحيح البخاري، وهي: التاريخ الكبير، والسنن في الفقه، والأسماء والكنى، والأدب المفرد.
ـ وفي عام 256 هجري توفي الإمام البخاري رحمه الله.
المصدر: مجلة الفاتح.